إن اختيار المغاربة لرواية ورش لم يأت اعتباطا، بل إن العلماء يحصون مجموعة من العوامل التي جعلت المغاربة يختارون هذه الرواية عن غيرها، وقد أحصى الأستاذ «عبد الهادي احميتو »، عضو الهيئة العلمية بالمؤسسة بعض هذه العوامل تمثلت فيما يلي:
أولا : أن رواية ورش هي أوثق روايات قراءة نافع عند المغاربة.
ثانيا : قرب الجوار؛ لأنها هي التي تلي بلادهم انطلاقا من مصر.
ثالثا : أن ورشا له أصل مغربي قيرواني؛ انتقل والده من أفريقية إلى مصر.
رابعا : رغبة المغاربة في الاستقلال في قراءتهم ومذهبهم.
خامسا : التقاء رواية ورش في أصولها مع مقتضيات مذهب مالك في اختياراته.
أما الخصائص والمميزات التي تمتاز بها رواية ورش عن غيرها من الروايات، من القراءات السبع والعشر، فمنها:
1 -/أخذُ ورشٍ بمرتبة التحقيق في القراءة؛ وهو الأسلوب الأدائي المتأني الذي يعطي لكل حرف حقه ومستحقه، كما يعطي للحركات مقادير متناسبة وللمدات الناشئة عنها مثل ذلك.
2 -/ أخذه في باب البسملة بين السورتين بترك التسمية وأخذه بالسكت أو الوصل.
3 -/ إبداله الهمزة الساكنة حرف مد إذا كانت فاء للكلمة، وذلك في مثل ياكل،ويامر، وتاتي، وتستانس، والمستاخرين، ويومنون، وتوثرون، وتوتي، وكذلك إذا كانت مفتوحة بعد ضمة مثل موذن والمؤلفة قلوبهم.
4 -/ أخذه بنقل الهمزة قبلها مثل الاخرة والاولى.
5 -/ أخذه بترقيق الراءات بعد الكسرة اللازمة والياء الساكنة مثل: مراءا وتبصرون، ومرية، وفرعون.
6 -/أخذه بتغليظ اللامات إذا كانت مفتوحة، وتقدم عليها بالفتح أو سكون الطاء أو الظاء أو الصاد، وذلك مثل مطلع واطلع وظلموا وأظلم والصلاة وأصلابكم.
قبل أن يستقر المغاربة على قراءة نافع برواية ورش عرفوا قراءات قرآنية متعددة، حيث تأثروا بداية بقراءة ابن عامر الشامي التي كان يقرأ بها أهل الشام، وذلك بفعل التأثير الشامي في الأندلس، وانتقال هذا التأثير إلى المغرب. استمر المغاربة والأندلسيون يقرأون القرآن الكريم برواية هشام عن ابن عامر ما يزيد على القرن، ثم تحولوا مدة إلى قراءة حمزة، ولم يتحولوا إلى رواية ورش عن نافع من طريق أبي يعقوب الأزرق إلا بعد أن استقرت هذه الرواية بمصر والقيروان وانتشرت بعد ذلك في ربوع الغرب الإسلامي كله. وقد أتقنها المغاربة وحافظوا عليها جيلا بعد جيل إلى يومنا هذا.
من بين من أسهموا في إدخال قراءة نافع إلى الغرب الإسلامي أيضا العالم الأندلسي «أبو محمد الغازي بن قيس الأندلسي »، توفي سنة 199 ه 814 م، والذي رحل من قرطبة إلى المدينة، فأخذ القراءة مباشرة عن الإمام ورش الذي انتشرت روايته بالمغرب والأندلس، وصحَّحَ الغازي بن قيس مصحفه على مصحف نافع ثلاث عشرة مرة، فكان من أكثر المصاحف ضبطا في الرسم وفي القراءة.
لقد كان تأثر المغاربة تأثرا قويا بالأندلسيين في مجال القراءة وعلومها، عن طريق علماء مشهورين أمثال مكي بن أبي طالب وأبي عمرو الداني والشاطبي والخراز، الذين تلقف علماء القراءات المغاربة كتبهم فعكفوا عليها فهما وتدريسا وشرحا، وتجاوزوها إلى التأليف في مختلف فنون علوم القرآن.
هكذا، فمنذ أول المائة الثالثة من الهجرة، أضحت رواية ورش، الرواية المفضلة عند المغاربة ولم تستطع رواية أخرى أن تزاحمها، وإن أكثر ما قوّى هذه الرواية وشد أزرها، هو ظهور المؤلفات المبكرة في تدوينها وضبط قواعدها.